التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 24]

قال الله تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم : 24]

تفسير الطبري: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) بمعنى: فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلاف منهم في تأويله; فمن متأوّل منهم إذا قرأه ( مِنْ تَحْتِهَا ) كذلك; ومن متأوّل منهم أنه عيسى ، وأنه ناداها من تحتها بعد ما ولدته. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة ( فَنَادَاها مَنْ تَحْتَها ) وبفتح التاءين من تحت، بمعنى: فناداها الذي تحتها، على أن الذي تحتها عيسى، وأنه الذي نادى أمه.

  • ذكر من قال: الذي ناداها من تحتها المَلَك ، حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت ابن عباس قرأ: ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) يعني: جبرائيل.

حدثني أحمد بن عبد الله أحمد بن يونس، قال: أخبرنا عَبثر ، قال: ثنا حصين، عن عمرو بن ميمون الأوْديّ، قال: الذي ناداها الملك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه قرأ: فخاطبها من تحتها.

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأ: فخاطبها من تحتها.

حدثنا الرفاعي، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأها كذلك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: جبرائيل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) : أي من تحت النخلة.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ(فَنَادَاهَا) جبرائيل ( مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي ).

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: المَلَك.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) يعني: جبرائيل كان أسفل منها.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: ناداها جبرائيل ولم يتكلم عيسى حتى أتت قومها.

  • ذكر من قال: ناداها عيسى صلى الله عليه وسلم: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: عيسى ابن مريم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) ابنها.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن: هو ابنها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه (فَنَادَاهَا) عيسى ( مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي ) .

حدثني أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عثمان بن سعيد ، قال: ثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان، عن سعيد بن جبير، قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال عيسى: أما تسمع الله يقول فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ) قال: عيسى; ناداها( مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ).

حُدثت عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحيّ، عن أبيّ بن كعب قال: الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها ودخل من فيها.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل، فردّه على الذي هو أقرب إليه أولى من ردّه على الذي هو أبعد منه. ألا ترى في سياق قوله فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل: فناداها نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه. ولعلة أخرى، وهي قوله ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) ولم تشر إليه إن شاء الله ألا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها( أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه، ولو كان ذلك قولا من جبرائيل، لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر، مبينا أن عيسى سينطق، ويحتجّ عنها للقوم، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله.

فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويل الذي بينا، فبين أن كلتا القراءتين، أعني ( مِنْ تَحْتِهَا ) بالكسر، ( وَمَنْ تَحْتَها ) بالفتح صواب. وذلك أنه إذا قرئ بالكسر كان في قوله (فَنَادَاهَا) ذكر من عيسى: وإذا قرئ( مَنْ تَحْتَها) بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى. فتأويل الكلام إذن: فناداها المولود من تحتها أن لا تحزني يا أمه ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ).

كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي ) قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أي شيء عذري عند الناس يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام.

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالسريّ في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به: النهر الصغير.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: الجدول.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: الجدول.

حدثني عليّ، قال : ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) وهو نهر عيسى.

حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: السريّ: النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري يسمى سَرِيا.

حدثني أبو حصين، قال: ثنا عَبثر، قال: ثنا حصين، عن عمرو بن ميمون الأوْدِيّ، قال في هذه الآية ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: السريّ: نهر يُشرب منه.

حدثنا يعقوب وأبو كريب، قالا ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمرو بن ميمون، في قوله: ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: هو الجدول.

حدثنا محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( سَرِيًّا) قال: نهر بالسريانية.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، قال ابن جريج: نهر إلى جنبها.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، في قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن: إن السريّ: الجدول، فقال: غلبتنا عليك الأمراء.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) قال: هو الجدول، النهر الصغير، وهو بالنبطية: السريّ.

حدثني أبو حميد الحمصي، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عجلان قال: سألت سعيد بن جبير، عن السريّ، قال: نهر.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: النهر الصغير.

حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: هو النهر الصغير: يعني الجدول، يعني قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ).

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: جدول صغير بالسريانية.

حدثنا عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( تَحْتَكِ سَرِيًّا ) الجدول الصغير من الأنهار.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) والسريّ: هو الجدول، تسميه أهل الحجاز.

حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر ، في قوله (سَرِيًّا) قال: هو جدول.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم وعن وهب بن منبه ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) يعني ربيع الماء.

– حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) والسريّ: هو النهر.

وقال آخرون: عنى به عيسى.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) والسريّ: عيسى نفسه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) يعني نفسه، قال: وأيّ شيء أسرى منه، قال: والذين يقولون: السريّ: هو النهر ليس كذلك النهر، لو كان النهر لكان إنما يكون إلى جنبها، ولا يكون النهر تحتها.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال: عنى به الجدول، وذلك أنه أعلمها ما قد أتاها الله من الماء الذي جعله عندها، وقال لها وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي من هذا الرطب وَاشْرَبِي من هذا الماء وَقَرِّي عَيْنًا بولدك، والسريّ معروف من كلام العرب أنه النهر الصغير; ومنه قول لبيد:

فَتَوَسَّـطا عُـرْضَ السَّـريّ وَصَدَّعـا

مَسْـــجُورَةٌ مُتَجــاوِرًا قُلامُهــا (11)

ويُروى فينا (12) مسجورة، ويُروى أيضًا: فغادرا.

قوله ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) ذكر أن الجذع كان جذعًا يابسًا، وأمرها أن تهزّه، وذلك في أيام الشتاء، وهزّها إياه كان تحريكه.

—————————–

الهوامش :

(8) البيت لزهير بن أبي سلمى ( اللسان : جيأ ) . قال : وأجاءه إلى شيء : جاء به ، وألجأه ، واضطره إليه . قال زهير بن أبي سلمى : ” وجار . . . ” البيت . قال الفراء : أصله من جئت ، وقد وقد جعلته العرب إلجاء . وفي المثل : ” شر ما أجاءك إلى مخة العرقوب ، وشر ما يجيئك إلى مخة عرقوب ” قال الأصمعي : وذلك أن العرقوب لا مخ فيه ، وإنما يحوج إليه من لا يقدر على شيء . ومنهم من يقول : شر ما ألجأك : والمعنى واحد . وتميم تقول : شر ما أشاءك .

(9) البيت للشنفرى ” اللسان : نسي ” قال : والنسي : الشيء المنسي الذي لا يذكر . وقال الأخفش : النسي : ما أغفل من شيء حقير ونسي. وقال الزجاج : النسي في كلام العرب الشيء المطروح ، لا يؤبه له . وقال الشنفرى : ” وكأن لها . . . البيت ” قال ابن بري : بلت ، فالفتح : إذا قطع ، وبلت بالكسر : إذا سكن . وقال الفراء : النسي والنسي ( بكسر النون المشددة وفتحها ) لغتان فيه تلقيه المرأة من خرق اعتلاها ( حيضها ) مثل وتر ووتر . قال ولو أراد بالنسي ( بالفتح ) مصدر النسيان ، كان صوابا .

(10) في ( اللسان : أتى ) : الإتيان : المجيء . أتيته أتيا وإتيانا وإتيانه ومأتاه : جئته . واستشهد المؤلف بالبيت على أن العرب تقول نسيته نسيانا ونسيا ، كما تقول أتيته إتيانا وأتيا . وقوله معروفة : أنث الخبر بالتاء مع أن المبتدأ وهو الأتي مذكر ، لكنه لما أضيف إلى الفواحش ، وهي جمع فاحشة . اكتسب منها التأنيث فلذلك أنث الخبر بالتاء .

(11) البيت للبيد بن ربيعة العامري ، من معلقته المشهورة ( انظره في شرح الزوزني على المعلقات السبع ، وفي شرح التبريزي على القصائد العشر ، وفي جمهرة أشعار العرب ص 63 – 74 ) . قال صاحب الجمهرة : توسطا ؛ : أي دخلا وسطه . وعرض السري : أي ناحية النهر ، وأهل الحجاز . يسمون النهر سريا . وصدعا : أي فرقا . ومسجورة : أي عينا مملوءة ؛ قال الله تعالى : ( والبحر المسجور ) وأقلامها ، ويروى قلامها ، وهو ضرب من الشجر الحمض ، والأقلام : قصب اليراع . وقال الزوزني يقول : فتو سط العير والأتان جانب النهر الصغير ، وشقا عينا مملوءة ماء ، قد تجاوز قلامها ، أي قد كثر هذا الضرب من النبت عليها . وتحرير المعنى : أنهما قد ورد عينا ممتلئة ماء ، فدخلا فيها من عرض نهرها ، وقد تجاور نبتها . والشاهد في قوله ” السري ” وهو اسم للنهر الصغير .

(12) كذا في المخطوطة بغير نقط ، ولم نقف على هذه الرواية .

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 23]

قال الله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} [مريم : 23]

تفسير الطبري: وقوله ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، ثم قيل: لما أسقطت الباء منه أجاءها، كما يقال: أتيتك بزيد، فإذا حذفت الباء قيل آتيتك زيدا ، كما قال جل ثناؤه آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ والمعنى: بزُبَر الحديد، ولكن الألف مدت لما حذفت الباء، وكما قالوا: خرجت به وأخرجته، وذهبت به وأذهبته، وإنما هو أفعل من المجيء، كما يقال : جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به، ومثل من أمثال العرب ” : شرّ ما أجاءني إلى مُخَّة عرقوب “، وأشاء ويقال: شرّ ما يُجِيئك ويُشِيئك إلى ذلك ; ومنه قول زهير:

وَجــارٍ ســارَ مُعْتَمِــدًا إلَيْكُــمْ

أجاءَتْـــهُ المَخافَـــةُ والرَّجــاءُ (8)

يعنى: جاء به، وأجاءه إلينا وأشاءك: من لغة تميم، وأجاءك من لغة أهل العالية، وإنما تأوّل من تأوّل ذلك بمعنى: ألجأها، لأن المخاض لما جاءها إلى جذع النخلة، كان قد ألجأها إليه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ) قال : المخاض ألجأها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ألجأها المخاض. قال ابن جريج: وقال ابن عباس: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) يقول: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة، قوله ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) قال: اضطرّها إلى جذع النخلة.

واختلفوا في أيّ المكان الذي انتبذت مريم بعيسى لوضعه، وأجاءَها إليه المخاض، فقال بعضهم: كان ذلك في أدنى أرض مصر، وآخر أرض الشأم، وذلك أنها هربت من قومها لما حملت ، فتوجهت نحو مصر هاربة منهم.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما اشتملت مريم على الحمل، كان معها قَرابة لها، يقال له يوسف النَّجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد، في ذلك الزمان ، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك، فكانا يليان معالجته بأنفسهما، تحبيره وكناسته وطهوره، وكل عمل يعمل فيه، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشدّ اجتهادًا وعبادة منهما، فكان أوّل من أنكر حمل مريم صاحِبُها يوسف; فلما رأى الذي بها استفظعه، وعظم عليه، وفظع به، فلم يدر على ماذا يضع أمرها، فإذا أراد يوسف أن يتهمها، ذكر صلاحها وبراءتها، وأنها لم تغب عنه ساعة قطّ; وإذا أراد أن يبرئها، رأى الذي ظهر عليها; فلما اشتدّ عليه ذلك كلمها، فكان أوّل كلامه إياها أن قال لها: إنه قد حدث في نفسي من أمرك أمر قد خشيته، وقد حَرَصت على أن أميته وأكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، فرأيت الكلام فيه أشفى لصدري، قالت: فقل قولا جميلا قال: ما كنت لأقول لك إلا ذلك، فحدثيني، هل ينبت زرع بغير بذر؟ قالت: نعم، قال: فهل تنبت شجرة من غير غيث يصيبها؟ قالت: نعم ، قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله تبارك وتعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذر يومئذ إنما صار من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر; أو لم تعلم أن الله بقدرته أنبت الشجر بغير غيث، وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعد ما خلق كلّ واحد منهما وحده، أم تقول: لن يقدر الله على أن ينبت الشجر حتى استعان عليه بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباته؟ قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكني أعلم أن الله تبارك وتعالى بقدرته على ما يشاء يقول لذلك كن فيكون، قالت مريم: أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكر؟ قال: بلى، فلما قالت له ذلك، وقع في نفسه أن الذي بها شيء من الله تبارك وتعالى، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها لذلك ، ثم تولى يوسف خدمة المسجد، وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه، وذلك لما رأى من رقة جسمها، واصفرار لونها، وكلف وجهها، ونتوّ بطنها، وضعف قوّتها، ودأب نظرها، ولم تكن مريم قبل ذلك كذلك; فلما دنا نفاسها أوحى الله إليها أن أخرجي من أرض قومك ، فإنهم إن ظفروا بك عيروك، وقتلوا ولدك، فأفضت ذلك إلى أختها، وأختها حينئذ حُبلى، وقد بشرت بيحيى، فلما التقيا وجدت أمّ يحيى ما في بطنها خرّ لوجهه ساجدا معترفا لعيسى، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له ليس بينها حين ركبت وبين الإكاف شيء، فانطلق يوسف بها حتى إذا كان متاخما لأرض مصر في منقطع بلاد قومها، أدرك مريم النفاس، ألجأها إلى آريّ حمار، يعنى مذود الحمار، وأصل نخلة، وذلك في زمان أحسبه بردا أو حرّا ” الشكّ من أبي جعفر “، فاشتدّ على مريم المخاض; فلما وجدت منه شدّة التجأت إلى النخلة فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة، قاموا صفوفًا محدقين بها.

وقد رُوي عن وهب بن منبه قول آخر غير هذا، وذلك ما حدثنا به ابن حميد ، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: لما حضر ولادُها، يعني مريم، ووجدت ما تجد المرأة من الطلق ، خرجت من المدينة مغربة من إيلياء، حتى تدركها الولادة إلى قرية من إيلياء على ستة أميال يقال لها بيت لحم، فأجاءها المخاض إلى أصل نخلة إليها مذود بقرة تحتها ربيع من الماء، فوضعته عندها.

وقال آخرون: بل خرجت لما حضر وضعها ما في بطنها إلى جانب المحراب الشرقي منه، فأتت أقصاه فألجأها المخاض إلى جِذْعِ النخلة، وذلك قول السدي، وقد ذكرت الرواية به قبل.

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج : أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت ابن عباس يقول: ما هي إلا أن حملت فوضعت.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: وأخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله أنه سمع ابن عباس يقول: ليس إلا أن حملتْ فولدتْ.

وقوله: ( يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) ذكر أنها قالت ذلك في حال الطلق استحياء من الناس.

كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: قالت وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) تقول: يا ليتني مِتُّ قبل هذا الكرب الذي أنا فيه، والحزن بولادتي المولود من غير بَعْل، وكنت نِسيا منسيًّا: شيئا نُسي فتُرك طلبه كخرق الحيض التي إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر، وكذلك كل شيء نسي وترك ولم يطلب فهو نسي. ونسي بفتح النون وكسرها لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنى واحد، مثل الوَتر والوِتر، والجَسر والجِسر، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا; وبالكسر قرأت عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة; وبالفتح قرأه أهل الكوفة; ومنه قول الشاعر:

كـأنَّ لَهَـا فِـي الأرْضِ نِسْـيا تَقُصُّهُ

إذَا مــا غَـدَتْ وإنْ تُحَـدّثْكَ تَبْلَـتِ (9)

ويعني بقوله: تقصه: تطلبه، لأنها كانت نسيته حتى ضاع، ثم ذكرته فطلبته، ويعني بقوله: تبلت: تحسن وتصدّق، ولو وجه النسي إلى المصدر من النسيان كان صوابا، وذلك أن العرب فيما ذكر عنها تقول: نسيته نسيانا ونسيا، كما قال بعضهم من طاعة الربّ وعصي الشيطان، يعني وعصيان، وكما تقول أتيته إتيانا وأتيا، كما قال الشاعر:

أتــيُ الفَوَاحِــشِ فِيهِــمُ مَعْرَوفَـةٌ

وَيَــروْنَ فِعْـلَ المَكْرُمـاتِ حَرَامَـا (10)

وقوله (مَنْسيًّا) مفعول من نسيت الشيء كأنها قالت: ليتني كنت الشيء الذي ألقي، فترك ونسي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس، قوله: ( يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) لم أخلق، ولم أك شيئا.

حدثنا موسى ، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) يقول: نِسيا: نُسي ذكري، ومنسيا: تقول: نسي أثري، فلا يرى لي أثر ولا عين.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) : أي شيئا لا يعرف ولا يذكر.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة، قوله ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) قال: لا أعرف ولا يدرى من أنا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ( نَسْيًا مَنْسِيًّا ) قال: هو السقط.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) لم أكن في الأرض شيئًا قط.

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 22]

قال الله تعالى: {۞ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم : 22]

تفسير الطبري: وفي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا بغلام فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) وبذلك جاء تأويل أهل التأويل.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه، قال: سمعت وهبا قال: لما أرسل الله جبريل إلى مريم تمثَّل لها بشرا سويا فقالت له: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت.

حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني ، قال: لما قال ذلك، يعني لما قال جبريل قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ …. الآية استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، قال: طرحَتْ عليها جلبابها لما قال جبريل ذلك لها، فأخذ جبريل بكميها، فنفخ في جيب درعها، وكان مشقوقا من قُدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها; فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: أشعرت أيضا أني حُبلى، قالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ .

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: يقولون: إنه إنما نفخ في جيب درعها وكمها.

وقوله ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) يقول: فاعتزلت بالذي حملته، وهو عيسى، وتنحَّت به عن الناس مكانا قصيا يقول: مكانا نائيا قاصيا عن الناس، يقال: هو بمكان قاص، وقصيّ بمعنى واحد، كما قال الراجز:

لَتَقْعُــــدِنَّ مَقْعَـــدَ القَصِـــيِّ

مِنِّـــي ذي القـــاذُوَرةِ المَقْــلِيّ (7)

يقال منه: قصا المكان يقصو قصوا : إذا تباعد، وأقصيت الشيء: إذا أبعدته وأخَّرته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) قال: مكانا نائيا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مَكَانًا قَصِيًّا ) قال: قاصيا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي، قال: لما بلغ أن تضع مريم، خرجت إلى جانب المحراب الشرقي منه فأتت أقصاه.

————————-

الهوامش :

(7) البيتان لرؤبة ابن العجاج الراجز ( انظر فوائد القلائد في مختصر الشواهد للعيني ص 115 – 116 ) وبعدهما بيتان آخران وهما :

أو تحـــلفي بـــربك العـــلي

أنــى أبــو ذيــا لــك الصبـي

ومقعد القصي : إما مفعول مطلق . على أن يكون المقعد بمعنى القعود أو على أنه مفعول فيه ، أي في مقعد القصي ، أي البعيد ، من قصا المكان يقصو : إذا بعد . ويقال رجل قاذورة : أي لا يخالط الناس ، لسوء خلقه . والمقلي المبغض من قلاه يقليه قلى بالكسر . وهما صفتان للقصي . وفي ( لسان العرب : قصا ) قصا عنه قصوا ، وقصوا وقصا وقصاء ، وقصي ( بكسر الصاد ) : بعد وقصا المكان يقصو قصوا ( على فعول ) : بعد . والقصي والقاصي : البعيد ، والجمع : أقصاء فيهما ، كشاهد وأشهاد ، ونصير وأنصار .

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 21]

قال الله تعالى: {قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} [مريم : 21]

تفسير الطبري: ( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين ، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو عليّ هين : أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك.

( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) يقول: وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك.( وَرَحْمَةً مِنَّا ) يقول: ورحمة منا لك، ولمن آمن به وصدقه أخلقه منك ( وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) يقول: وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني من لا أتهم، عن وهب بن منبه ( وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) أي أن الله قد عزم على ذلك، فليس منه بدّ.

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 20]

قال الله تعالى: {قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم : 20]

تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره: قالت مريم لجبريل ( أنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ ) من أيّ وجه يكون لي غلام؟ أمن قِبَل زوج أتزوّج ، فأرزقه منه، أم يبتدئ الله فيّ خلقه ابتداء ( وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) من ولد آدم بنكاح حلال (ولَمْ أَكُ) إذ لم يمسسني منهم أحد على وجه الحلال (بَغِيًّا) بغيت ففعلت ذلك من الوجه الحرام، فحملته من زنا.

كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) يقول: زانية.

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 19]

قال الله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم : 19]

تفسير الطبري: واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو ( لأهَبَ لَكِ ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك: يقول: أرسلني إليك لأهب لك ( غُلامًا زَكِيًّا ) على الحكاية ، وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء ( ليهب لك غلامًا زكيا ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك أرسلني إليك ليهب الله لك غلاما زكيا.

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك، ما عليه قرّاء الأمصار، وهو ( لأهَبَ لَكِ ) بالألف دون الياء، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين، وعليه قراءة قديمهم وحديثهم، غير أبي عمرو، وغير جائز خلافهم فيما أجمعوا عليه، ولا سائغ لأحد خلاف مصاحفهم، والغلام الزكيّ: هو الطاهر من الذنوب وكذلك تقول العرب: غلام زاكٍ وزكيّ، وعال وعليّ.

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 18]

قال الله تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [مريم : 18]

تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره: فخافت مريم رسولنا، إذ تمثل لها بشرًا سويا، وظنته رجلا يريدها على نفسها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) قال: خشيت أن يكون إنما يريدها على نفسها.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا فلما رأته فزعت منه وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) فقالت: إني أعوذ أيها الرجل بالرحمن منك، تقول: أستجير بالرحمن منك أن تنال مني ما حرّمه عليك إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه، وتجتنب معاصيه; لأن من كان لله تقيا، فإنه يجتنب ذلك. ولو وجه ذلك إلى أنها عَنَت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تتقي الله في استجارتي واستعاذتي به منك كان وجها.

كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) ولا ترى إلا أنه رجل من بني آدم.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن عاصم، قال: قال ابن زيد – وذكر قَصَص مريم – فقال: قد علمت أن التقيّ ذو نُهية حين قالت (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ). يقول تعالى ذكره: فقال لها روحنا: إنما أنا رسول ربك يا مريم أرسلني إليك ( لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا )

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 17]

قال الله تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم : 17]

تفسير الطبري: وقوله: ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) يقول: فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس ، وذُكر عن ابن عباس، أنها صارت بمكان يلي المشرق، لأن الله أظلها بالشمس، وجعل لها منها حجابا.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: مكانا أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم.

وقال غيره في ذلك ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) من الجدران.

وقوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) يقول تعالى ذكره: فأرسلنا إليها حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، واتخذت من دونهم حجابا: جبريل.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) قال: أرسل إليها فيما ذُكر لنا جبريل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: وجدتْ عندها جبريل قد مثله الله بشرا سويا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) قال: جبريل .

حدثني محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل بن أخي وهب، قال: سمعت وهب بن منبه ، قال: أرسل الله جبريل إلى مريم، فَمَثَل لها بشرا سويا.

حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال : فلما طهرت، يعني مريم من حيضها، إذا هي برجل معها، وهو قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) يقول تعالى ذكره: فتشبه لها في صورة آدميّ سويّ الخلق منهم، يعني في صورة رجل من بني آدم معتدل الخلق.

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [مريم : 16]

قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم : 16]

تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتاب الله الذي أنـزله عليك بالحقّ مريم ابنة عمران ، حين اعتزلت من أهلها، وانفردت عنهم، وهو افتعل من النَّبذ، والنَّبذ: الطَّرْح، وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى قبلُ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

  • ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) أي انفردت من أهلها.

حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصَّلْت، قال: ثنا أبو كُدَينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: خرجت مكانا شرقيا.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها، وهو قوله: (6) فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا: في شرقيّ المحراب.

وقوله (مَكَانًا شَرْقِيًّا) يقول: فتنحت واعتزلت من أهلها في موضع قِبَلَ مَشرق الشمس دون مَغربها.

كما حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: من قِبَل المشرق.

حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، عن ابن عباس، قال: إني لأعلم خلق الله لأيّ شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة لقول الله: فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتخذوا ميلاد عيسى قبلة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن عباس، مثله.

حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن الصَّلْت، قال: ثنا أبو كُدَينة، عن قابوس، عن أبيه ، عن ابن عباس، قال: إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت، والحج لله، وما صرفهم عنهما إلا تأويل ربك (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) فصلوا قبل مطلع الشمس.

حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: شاسعا متنحيا.

وقيل: إنها إنما صارت بمكان يلي مشرق الشمس، لأن ما يلي المشرق عندهم كان خيرا مما يلي المغرب ، وكذلك ذلك فيما ذُكر عند العرب.

———————-

الهوامش :

(6) كذا هنا ، وفي موضوعين بعد : فانتبذت ، والقراءة : إذ انتبذت .

التصنيفات
القرآن الكريم

تفسير الطبري: سورة [المائدة : 116]

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : 116]

تفسير الطبري: القول في تأويل قوله : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ,” إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّيَ إلهين من دون الله “.


وقيل: إن الله قال هذا القولَ لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا.

  • ذكر من قال ذلك:

13028 – حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي: ” وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ” ، قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت, وزعموا أنّ عيسى أمرَهم بذلك, فسأله عن قوله فقال: ” سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ” إلى قوله: وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .


وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة.

  • ذكر من قال ذلك:

13029 – حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ابن جريج: ” وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ” ، قال: والناس يسمعون, فراجعه بما قد رأيت, وأقرَّ له بالعبودية على نفسه, فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول: أنه إنما كان يقول باطلا.

13030 – حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير, عن عطاء, عن ميسرة قال : قال الله: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله؟ فأُرْعِدت مفاصله, وخشي أن يكون قد قال, فقال: سبحانك، إن كنت قلته فقد علمته = الآية.

13031 – حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, &; 11-235 &; عن قتادة في قوله: ” يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ” ، متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة, ألا ترى أنه يقول: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ؟

= فعلى هذا التأويل الذي تأوَّله ابن جريج، يجب أن يكون ” وإذ ” بمعنى: و ” إذا “, كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا ، [سورة سبأ: 51]، بمعنى: يفزعون، وكما قال أبو النجم:

ثُــمَّ جَــزَاهُ اللـهُ عَنَّـا إذْ جَـزَى

جَنَّــاتِ عَـدْنٍ فِـي العَلالِـيِّ العُـلا (12)

والمعنى: إذا جزى، وكما قال الأسود: (13)

فَـــالآنَ , إذْ هَــازَلْتُهُنَّ , فإنَّمَــا

يَقُلْـنَ: ألا لَـمْ يَذْهَبِ الشَّيْخُ مَذْهَبَا !!ٌٌ (14)

بمعنى: إذا هازلتهن.

وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا, وجَّه تأويل الآية إلى: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ في الدنيا = وأعذبه أيضًا في الآخرة: ” إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله “.


قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك, قولُ من قال بقول السدي، وهو أن الله تعالى ذكره قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه, وأن الخبرَ خبرٌ عما مضى، لعلَّتين:

إحداهما: أن ” إذْ” إنما تصاحب = في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها = الماضيَ من الفعل, وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم, (15) وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، (16) أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر.

والأخرى: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه, فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك, وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.


فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال الله عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله “، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟

قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل:

أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه, كما يقول القائل لآخر: ” أفعلت كذا وكذا “؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: ” أفعلته “، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه.

والآخر: إعلامه أنّ قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده، وبدّلوا دينهم بعده. فيكون بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعده، وتحذيرًا له قيله. (17)


قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين “، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنـزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به (18) = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق “، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك, وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = (19) ” إن كنت قلته فقد علمته “, يقول: إنك لا يخفى عليك شيء, وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به.

القول في تأويل قوله : تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرةُ من النصارى، أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به, فقال: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ . ثم قال: ” تعلم ما في نفسي”، يقول: إنك، يا رب، لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي, فكيف بما قد نطقتُ به وأظهرته بجوارحي؟ يقول: لو كنت قد قلت للناس: ” اتخذوني وأمي إلهين من دون الله “، كنت قد علمته, لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به، فكيف بما قد نطقت به؟ =” ولا أعلم ما في نفسك “، يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه, لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه =” إنك أنت عَلام الغيوب “، يقول: إنك أنت العالم بخفيّات الأمور التي لا يطلع عليها سواك، ولا يعلمها غيرك. (20)

————————

الهوامش :

(12) الأضداد لابن الأنباري: 102 ، والصاحبي: 112 ، واللسان (طها) وسيأتي بعد قليل في هذا الجزء ص: 317 ، بزيادة بيت. وقوله: “العلالي” ، جمع”علية” (بكسر العين ، وتشديد اللام المكسورة ، والياء المشدودة): وهي الغرفة العالية من البيت. وأرد بذلك: “في عليين” ، المذكورة في القرآن. وقد قال هدبة من خشرم أيضًا ، فتصرف:

كــأنَّ حَوْطًـا، جـزاهُ اللـهُ مَغْفِـرَةً

وَجَنَّـــةً ذاتَ عِـــلِّيٍّ وأشْــرَاعِ

و”الأشراع” ، السقائف.

(13) هو الأسود بن يعفر النهشلي ، أعشى بني نهشل.

(14) ديوان الأعشين: 293 ، والأضداد لابن الأنباري: 101 ، من قصيدة له ، ذهب أكثرها فلم يوجد منها في الكتب المطبوعة ، غير هذا البيت ، وخمسة أبيات أخرى ، في ديوانه ، وفي العيني (هامش خزانة الأدب 4: 103) ، وهي أبيات جياد:

صَحَــا سَـكَرٌ مِنْـه طَـوِيلٌ بِزَيْنَيَـا

تَعَاقَبَــهُ لَمَّــا اسْــتَبَانَ وجَرَّبَــا

وَأَحْكَمَـهُ شَـيْبُ القَـذَالِ عَـنِ الصِّبَا

فَكَـيْفَ تَصَابِيـه وَقَـدْ صَـار أَشْيَبَـا?

وَكَــان لَــهُ، فِيمَـا أَفَـادَ، خَـلاَئِلٌ

عَجِـلْنَ، إذَا لاقَيْنَـهُ، قُلْـنَ: مَرْحَبَـاٌ!!

فـأَصْبَحْنَ لا يَسْـأَلْنَهُ عَـنْ بِمَـا بـهِ

أصَعَّـدَ فَـي عُلْـوِ الهَوَى أم تَصَوَّبَـا?

طَــوَامِحُ بالأَبْصَــارِ عَنْـه، كَأَنَّمَـا

يَــرَيْنَ عَلَيْــهِ جُـلَّ أَدْهَـمَ أجْرَبَـا

(15) انظر ما سلف من القول في”إذ” و”إذا” 1: 349 – 444 ، 493/3: 92 ، 98/6: 407 ، 550/7 : 333/9 : 627. وانظر ما سيأتي ص: 317.

(16) في المطبوعة والمخطوطة: “فتوجيه” بالفاء ، والجيد ما أثبت.

(17) في المطبوعة: “وتحذيره” ، غير ما كان في المخطوطة لغير طائل.

(18) انظر تفسير”سبحان” فيما سلف 1: 474 – 476 ، 495/2 : 537/6 : 423.

(19) في المطبوعة: “فهل يكون للعبد” ، وفي المخطوطة: “فيكون يكون للعبد” ، هكذا ورجحت قراءتها كما أثبتها.

(20) انظر تفسير”علام الغيوب” فيما سلف قريبًا: 211 = وتفسير”الغيب” 1: 236 ، 237/6 : 405/10 : 585.